السبت، 26 يناير 2013

الثورة كغاية عملية


مسودة أفكار حول الخطاب السياسي الفلسطيني


يمر عالمنا في حالة غير مسبوقة من الغرابة؛ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزوال أي بديل عملي للمنظومة الرأسمالية، وبعد انتهاء التفاؤل من تغيير العالم الذي ميّز الحداثة، دخلنا الآن في حالة البوست والارتداد الى الذات. لا شك أن هذه التطورات تخص العالم الغربي بالأساس، ولكنها تميز أيضًا ايديولوجيات الاستعمار الغربي في فلسطين، ولديها اسقاطات على ايديولوجيات التحرر من هذا الاستعمار.

احدى ميزات حالة البوست الفكرية هي مقولة "لا أعرف" التشاؤمية. في عالم وصلت فيه الرأسمالية الى كل خندق معارض وكل قرية منبوذة أصبحت احدى آليات المحافظة على الهيمنة هي عملية اختزال البديل وجعله مثاليًا. الغرابة في عالمنا تتجسد في عدم مقدرتنا على تخيُل (بشكل عملي) البديل الذي نسعى اليه، لقد نجحت المنظومة في الوصول الى أكثر الأماكن الخاصة والحرّة - مخيلتنا. في هذا العالم تصبح المقولة العقلانية الوحيدة والأخيرة هي مقولة "لا أعرف"، وكل ما يرتقي عن ذلك يُعتبر مجرد كلام فارغ، مثالي، وغير واقعي.

لم تنجو فلسطين المستعمرة من هذا السيمتوم، ولا عجب في ذلك، إذ أن كل المشروع الفكري-السياسي التحرري مربوط بطريقة أو بأخرى مع أيديولوجية السوق والاستعمار. يمكن ملاحظة ذلك في الحلول المطروحة من قِبل الطيف السياسي الفلسطيني في داخل الأراضي المحتلة عام 1948: يعتمد حل التيار الشيوعي على الطرح الصهيوني الليبرالي المسمى "دولتين لشعبين"، إلا أنهم يضيفون الى ذلك (دون أي شعور بالتناقض) حق عودة اللاجئين الى ديارهم المسلوبة. التيار القومي يطرح مشروع دولة المواطنين، يعيش فيها العرب واليهود في دولة مدنية خالية من أي صبغة دينية أو قومية. التيار الإسلامي يطرح دولة الشريعة، وأخيرًا هنالك كرنفال "الدولة الديموقراطية العلمانية الواحدة". من أجل السياق، لا حاجة لخوض نقاش مدى قرب أو بعد كل طرح بما يسمى "الواقع"، كما أن هنالك اختلاف داخل كل تيار حول السؤال إن كان الحل مرحلي أم نهائي، ولكن ما يلفت النظر في كل هذه التيارات هو عملية طرح الحلول. هذه العملية تتلخص في طرح الحل بمفاهيم المشكلة، أي استخدام مصطلحات من الايديولوجية السائدة لطرح البديل لها. تعابير مثل "دولة" "شعب" "مواطنة" "علمانية" أو "إسلامية" تستمد معانيها من المنظومة الايديولوجية الحاكمة ولا يمكنها أن تكون بديلاً حقيقيًا لها. لذلك يمكننا تصنيف جميع الحلول المذكورة ضمن الخيالي، اللاواقعي والمثالي، لأنها لا تأخذ في الحسبان وجود متغير مفصلي بينها وبين الواقع: الثورة.

كل تغيير راديكالي في موازين القوى السائدة يتطلب وجود ثورة عنيفة ضد كل ما هو موجود، ويتضمن ذلك المفاهيم، الفكر والخيال. استخدام مفاهيم عملية كـ"الديموقراطية"، "الدولة" و"العلمانية" في عالم يستغل هذه المفاهيم من أجل اضطهاد الشعوب هو أمر فارغ. إذا اعتبرنا لحظة الثورة بداية جديدة لعالم جديد فلا جدوى في استمرار طرح الحلول التي تلي الثورة.

لا انتقد هنا عملية طرح الحلول كأداة لاستفزاز الفكر الصهيوني المهيمن، ولكن حين يصبح الحل هو كل ما في الأمر، أي حين يصبح الحل هو الغاية التي نناضل من أجلها، نفتقد كل ارتباط بواقعنا، واقع لا يتطلب إلا التغيير الثوري كغاية نهائية.      

هناك تعليق واحد: