الأحد، 9 فبراير 2014

سؤال


"ليش بتخلّيهن يزعجوك؟"
هو السؤال الذي تطرحه الصبية العربية في المقهى الإسرائيلي (لا اليهودي). وتَظهر فجأةً كل تناقضات حياتك هنا (بهمسة: تحت الاستعمار)، هذه التناقضات المطلقة، التي تؤديك الى القول: "يا إحنا يا هني". هذه التناقضات التي باتت في زمن آخر وفي مكان آخر محرّك ومحفز حياتك، التي كانت تدفعك نحو التحرر من قبضتهم.
ماذا تغيّر؟ هل بات مصطلح الاستعمار في شارع الثقافة مفهوم ضمنًا لدرجة الإبتذال؟ هل أدّانا الخوض في مصطلحات العبودية والتحرر الى نسيان معناهم ومنبعهم الأصلي؟ أو ربما ارتقينا عن طرح هذه المسائل البديهية والبدائية؟

"ليش بتخلّيهن يزعجوك؟"
أو: لماذا لا تتجاهلهم كعادتك اليومية؟ ماذا تغيّر الآن؟ لماذا الآن بالذات لا تتجاهلهم؟
لقد أصبح الوعي المباشر والواضح لحالتنا استثناء، والقاعدة هي التماشي الأعمى. وصل اغترابنا عن واقعنا الى حدّه الاقصى (ومن بعده لا شيء سوى الاختفاء)؛ ذلك الاغتراب الذي يجعل مفهوم الحرية شعاراتي ومفهوم الاستعمار فضفاض ومفهوم الأرض فارغ.
إنها المدينة التي تجعلك تفتقد صلتك المباشرة بالأرض، فتحل مكانها كراسي البارات والمقاهي، أو البلكون أو شرفة الشباك أو ربما رصيف الشارع.

"ليش بتخلّيهن يزعجوك؟"
الاغتراب هو عنوان المرحلة، وكأي مرحلة على خيوط التاريخ لا مجال للعودة الى الوراء، كل عودة كذبة، كل عودة مصطنعة.
"ليش بتخلّيهن يزعجوك؟"
تتمنى أن تصرخ: الموت للخونة والمتواطئين! ولكن إن كان فعلاً الموت لهم ستكتشف أن عليك الانتحار أولاً.
"ليش بتخلّيهن يزعجوك"؟
لماذا عُدتَ الى ذلك المكان المتخلّف الحاقد لكل فرد من أفراد منظومتهم ومجتمعهم؟ ألا تراهم وتسلّم وتبتسم معهم كل يوم مليون مرة؟
"ليش بتخلّيهن يزعجوك"؟
سألتْ.. سألتك أنت بالذات، وقدرتك على الإجابات السريعة شبه معدومة، فكم بالحري عندما تسألك "عنهم".
كان بوسعك القول: وجودهم على هذا البلاط، أو فنجان القهوة الذي يشربونه على طاولتي، أو ربما الطمأنينة والراحة التي يشعرون بها.
ولكن لماذا تقول كل هذه الأشياء؟ هل تبقّى لها من معنى؟ أيؤمن بها أحد؟ هل تؤمن بها أنت؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق